فصل: فَصْلٌ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ:

أَخَّرَ خِيَارَ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ اللُّزُومَ بَعْدَ التَّمَامِ وَإِضَافَةُ الْخِيَارِ إلَى الْعَيْبِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ (مُطْلَقُ الْبَيْعِ) الْإِضَافَةُ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى مَوْصُوفِهَا وَالتَّقْدِيرُ الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ مِنْ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ (يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ) عَنْ الْعُيُوبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ السَّلَامَةُ وَهِيَ وَصْفٌ مَطْلُوبٌ مَرْغُوبٌ عَادَةً وَعُرْفًا وَالْمَطْلُوبُ عَادَةً كَالشُّرُوطِ نَصًّا (فَلِمَنْ وُجِدَ فِي مَشْرِيِّهِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الشِّرَاءِ (عَيْبًا) كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ أَوْ رَآهُ وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَيْبٌ عِنْدَ التُّجَّارِ فَقَبَضَهُ وَعَلِمَ بِذَلِكَ يَنْظُرُ إنْ كَانَ عَيْبًا بَيِّنًا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ كَالْعَوَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَإِنْ كَانَ يَخْفَى يُرَدُّ (رَدُّهُ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ فَلِمَنْ (أَوْ أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ الْمَعِيبَ (بِكُلِّ ثَمَنِهِ) لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ عِنْدَ الْعَقْدِ إلَّا بِوَصْفِ السَّلَامَةِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ فَعِنْدَ فَوَاتِهَا يَتَخَيَّرُ (لَا إمْسَاكُهُ وَنَقْصُ ثَمَنِهِ) أَيْ لَا يُخَيَّرُ بَيْنَ إمْسَاكِهِ وَبَيْنَ أَخْذِ نُقْصَانِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَثْمَانِ (إلَّا بِرِضَى بَائِعِهِ) أَيْ بِإِمْسَاكِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ الْمَعِيبَ وَنَقْصِ ثَمَنِهِ وَالْمُرَادُ عَيْبٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ.
(وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ عِنْدَ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ) الْعَيْبُ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ضَابِطَةً كُلِّيَّةً يَعْلَمُ بِهَا الْعُيُوبَ الْمُوجِبَةَ لِلْخِيَارِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فَقَالَ وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ لِأَنَّ التَّضَرُّرَ بِنُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ، وَنُقْصَانُ الْمَالِيَّةِ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ، فَالتَّضَرُّرُ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ وَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَتِهِ عُرْفُ أَهْلِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (فَالْإِبَاقُ) كَالْكِتَابِ لُغَةً الِاسْتِخْفَاءُ وَشَرْعًا اسْتِخْفَاءُ الْعَبْدِ أَوْ الْجَارِيَةِ عَنْ الْمَوْلَى تَمَرُّدًا.
(وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ مِنْ صَغِيرٍ يَعْقِلُ) هُوَ يَأْكُلُ وَيُشْرِبُ وَحْدَهُ (عَيْبٌ) لِفِرَارِهِ عَنْ الْعَمَلِ لِخُبْثٍ فِي طَبْعِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إبَاقَ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَلَا يُمَيِّزُ لَيْسَ بِعَيْبٍ لِأَنَّهُ ضَالٌّ لِحُبِّهِ اللَّعِبَ لَا آبِقَ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَيْسَ بِإِبَاقٍ لَوْ فَرَّ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ إلَى بَلَدٍ وَإِنْ الْعَكْسُ فَإِبَاقٌ.
انْتَهَى لَكِنَّ الْأَشْبَهَ إنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ كَبِيرَةً مِثْلَ الْقَاهِرَةِ يَكُونُ عَيْبًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَكَذَا السَّرِقَةُ) وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ سَرِقَةُ صَغِيرٍ يَعْقِلُ عَيْبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقِيلَ دُونَ دِرْهَمٍ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَفِي غَيْرِ عَاقِلٍ لَا لِأَنَّهَا صَادِرَةٌ بِلَا فِكْرٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ غَيْرِهِ لَكِنَّ سَرِقَةَ الْمَأْكُولِ مِنْ الْمَوْلَى لِلْأَكْلِ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ (وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ) مِنْ صَغِيرٍ يَعْقِلُ عَيْبٌ لَكِنْ مِنْ دَاءٍ وَفِي غَيْرِ عَاقِلٍ لَا يُعَدُّ عَيْبًا لِظُهُورِهِ مِنْ ضَعْفِ الْمَثَانَةِ وَلِعَدَمِ التَّدَارُكِ (وَهِيَ) أَيْ الْإِبَاقُ وَالسَّرِقَةُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ (فِي الْكَبِيرِ عَيْبٌ آخَرُ) ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَبَقَ أَوْ سَرَقَ أَوْ بَالَ) فِي الْفِرَاشِ (فِي صِغَرِهِ) عِنْدَ الْبَائِعِ (ثُمَّ عَاوَدَهُ) أَيْ عَاوَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا (عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِيهِ) أَيْ فِي الصِّغَرِ (رُدَّ بِهِ) أَيْ رَدَّ الْمُشْتَرِي بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى الْبَائِعِ إنْ شَاءَ لِكَوْنِهَا عَيْبًا قَدِيمًا لِاتِّحَادِ السَّبَبِ وَهُنَا مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا صَغِيرًا فَوَجَدَهُ يَبُولُ فِي الْفِرَاشِ وَتَعَيَّبَ عِنْدَهُ بِعَيْبٍ آخَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فَلَوْ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ثُمَّ كَبُرَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَعْطَى ثَمَنَ النُّقْصَانِ لِزَوَالِ الْعَيْبِ بِالْبُلُوغِ.
(وَإِنْ) أَبَقَ أَوْ سَرَقَ أَوْ بَالَ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ (عَاوَدَهُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا) أَيْ لَا يُرَدُّ بِهِ لِأَنَّ مَا يُعَاوَدُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَكُونُ عَيْبًا آخَرَ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ.
(وَالْجُنُونُ) الْمُطَبَّقُ وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَقِيلَ مِنْ سَاعَةٍ (عَيْبٌ) فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالِ صِغَرِهِ أَوْ كِبَرِهِ (فَلَوْ جُنَّ فِي صِغَرِهِ) عِنْدَ الْبَائِعِ (وَعَاوَدَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِيهِ) أَيْ فِي صِغَرِهِ (أَوْ فِي كِبَرِهِ رُدَّ بِهِ) لِأَنَّ الثَّانِيَ عَيْنُ الْأَوَّلِ إذْ مَعْدِنُ الْعَقْلِ هُوَ الْقَلْبُ وَشُعَاعُهُ فِي الدِّمَاغِ وَالْجُنُونُ انْقِطَاعُ هَذَا الشُّعَاعِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ قِيلَ يَكْفِي فِي الرَّدِّ جُنُونُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقَطْ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِدُونِ الْمُعَاوَدَةِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.
(وَالْبَخَرُ) بِفَتْحَتَيْنِ وَالْخَاءُ الْمُعْجَمَةُ نَتْنٌ رَائِحَةِ الْفَمِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ نَتْنُ رَائِحَةِ الْأَنْفِ (وَلِذَفَرٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ شِدَّةُ الرِّيحِ طَيِّبَةً أَوْ خَبِيثَةً وَمُرَادُهُمْ نَتْنُ الْإِبْطِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَصْدَرُ ذَفَرَ إذَا خَبُثَ رَائِحَتُهُ وَبِالسُّكُونِ اسْمٌ مِنْهُ كَمَا فِي الطَّلَبَةِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ الظَّنِّ أَنَّ فِي الْمُغْرِبِ مُرَادَهُمْ مِنْهُ حِدَّةُ الرَّائِحَةِ مُنْتِنَةٌ أَوْ طَيِّبَةٌ فَإِنَّهُ قَالَ أَرَادَ مِنْهُ الصُّنَانَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ نَتِنُ الْإِبْطِ عَلَى أَنْ عَدَّ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ مِنْ الْعُيُوبِ عَيْبٌ لَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَالزِّنَاءُ وَالتَّوَلُّدُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزِّنَاءِ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ (عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا فَالْبَخَرُ وَالذَّفَرُ يُخِلُّ بِالْقُرْبِ لِلْخِدْمَةِ وَالزِّنَاءُ بِالِاسْتِفْرَاشِ وَالتَّوَلُّدِ مِنْ الزِّنَاءِ بِطَلَبِ الْوَلَدِ (لَا فِي الْغُلَامِ) أَيْ لَيْسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَيْبًا فِي الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ الِاسْتِخْدَامُ مِنْ بَعْدُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تُخِلُّ بِهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْبَخَرُ وَالذَّفَرُ (مِنْ دَاءٍ) وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أَنَّ الْمَذْكُورَ لَا يَكُونُ عَيْبًا فِي الْغُلَامِ كُلَّ الْأَحْوَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَخَرُ وَالذَّفَرُ فَاحِشًا بِحَيْثُ يَمْنَعُ الْقُرْبَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ يَكُونَ الزِّنَاءُ عَادَةً لَهُ بِأَنْ تَكَرَّرَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُعَاوَدَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي الزِّنَاءِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَهُ: أَوْ يَكُونَ الزِّنَاءُ عَادَةً لَهُ لَكَانَ أَوْلَى.
قِيلَ إنَّ الْبَخَرَ عَيْبٌ فِي الْأَمْرَدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْعِمَادِيَّةِ لَوْ كَانَ الْغُلَامُ يُلَاطُ بِهِ مَجَّانًا فَهُوَ عَيْبٌ وَبِالْأَجْرِ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إنَّ مَا ذُكِرَ عَيْبٌ فِي الْعَبْدِ أَيْضًا.
(وَالِاسْتِحَاضَةُ عَيْبٌ) لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ الدَّمِ عَلَامَةُ الدَّاءِ.
(وَكَذَا عَدَمُ حَيْضِ بِنْتِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً لَا أَقَلَّ) قَيَّدَ بِسَبْعِ عَشْرَةَ لِأَنَّهُ أَقْصَى زَمَنِ الْبُلُوغِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لِأَنَّ الْحَيْضَ هُوَ الْأَصْلُ فِي بَنَاتِ آدَمَ وَهُوَ دَمُ صِحَّةٍ فَإِذَا لَمْ تَحِضْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْ دَائِهَا وَلِذَا قَالُوا لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِانْقِطَاعِهِ إلَّا إذَا ذَكَرَ سَبَبَهُ مِنْ دَاءٍ أَوْ حَبَلٍ لِأَنَّ ارْتِفَاعَهُ بِدُونِهَا لَا يُعَدُّ عَيْبًا وَالْمَرْجِعُ فِي الْحَبَلِ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ وَفِي الدَّاءِ إلَى قَوْلِ طَبِيبَيْنِ عَدْلَيْنِ (وَيُعْرَفُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ وَعَدَمِ الْحَيْضِ (بِقَوْلِ الْأَمَةِ) لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهَا وَلَكِنْ لَا يُرَدُّ بِقَوْلِهَا (فَتُرَدُّ) الْأَمَةُ (إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ) أَيْ إلَى قَوْلِ الْأَمَةِ (نُكُولُ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ) يَعْنِي إذَا قَالَتْ الْأَمَةُ ذَلِكَ وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ يُسْتَحْلَفُ فَإِنْ نَكَلَ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ تُرَدُّ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَ (هُوَ الصَّحِيحُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُرَدُّ بِلَا يَمِينِ الْبَائِعِ لِضَعْفِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى يَمْلِكَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًى وَصَحَّ الْفَسْخُ لِلْعَقْدِ الضَّعِيفِ بِحُجَّةٍ ضَعِيفَةٍ قَالُوا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمَةِ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي.
وَلَوْ ادَّعَى انْقِطَاعَهُ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ لَمْ تُسْمَعْ وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ الثَّانِي وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ عِنْدَ الثَّالِثِ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا صَحَّحَ دَعْوَاهُ سُئِلَ الْبَائِعُ فَإِنْ صَدَّقَهُ رُدَّتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يَحْلِفْ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ وَأَنْكَرَ كَوْنَهُ عِنْدَهُ حَلَفَ فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّ الِانْقِطَاعَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِهِمْ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ.
(وَالْكُفْرُ عَيْبٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ لِعَدَمِ الِائْتِمَانِ عَلَى الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَمِنْ أَغْرَبِ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ رِوَايَةً عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا يَرُدُّهُ حَيْثُ يَكُونُ الْإِسْلَامُ عَيْبًا وَلَا يَكُونُ الْكُفْرُ عَيْبًا.
(وَكَذَا الشَّيْبُ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ عَيْبٌ وَكَذَا الشَّمَطُ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْبَيَاضِ بِالسَّوَادِ فِي الشَّعْرِ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ دَلِيلٌ الدَّاءِ وَفِي أَوَانِهِ دَلِيلُ الْكِبَرِ فَيَصِيرُ عَيْبًا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَكَذَا الصُّهُوبَةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ حُمْرَةُ الشَّعْرِ إذَا فَحُشَتْ بِحَيْثُ تَضْرِبُ إلَى الْبَيَاضِ.
(وَالدَّيْنُ) لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ تَكُونُ مَشْغُولَةً بِهِ وَالْغُرَمَاءُ مُقَدَّمُونَ عَلَى الْمَوْلَى أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ دَيْنَ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُطَالَبًا بِهِ لِلْحَالِ أَوْ مُتَأَخِّرًا إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ الدَّيْنُ الَّذِي يُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِ بِسَبَبِ الْإِذْنِ لَا الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إلَى الْعِتْقِ وَلَا الْمَحْجُورُ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا يَكُونُ عَيْبًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ بِهَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ.
(وَالسُّعَالُ الْقَدِيمُ) يَعْرِفُهُ الْأَطِبَّاءُ وَأَمَّا السُّعَالُ الْحَادِثُ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ لِأَنَّهُ يَزُولُ.
(وَالشَّعْرُ وَالْمَاءُ فِي الْعَيْنِ) لِأَنَّهُمَا يُضْعِفَانِ الْبَصَرَ وَيُورِثَانِ الْعَمَى وَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهُمَا بَلْ كُلُّ مَرَضٍ بِالْعَيْنِ فَهُوَ عَيْبٌ وَمِنْهُ السَّبَلُ وَكَثْرَةُ الدَّمْعِ وَالْغَرَبُ فِي الْعَيْنِ، وَالْعَشِيُّ وَهُوَ ضَعْفُ الْبَصَرِ بِحَيْثُ لَا يُبْصِرُ فِي اللَّيْلِ وَالْعَمَشُ وَالشَّتَرُ وَالْحَوَلُ وَالْحَوَصُ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحَوَلِ وَالْجَرَبُ فِي الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَوْ لَا ضَابِطَ الْعَيْبِ ثُمَّ ذَكَرَ عَدَدًا مِنْ الْعُيُوبِ وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا لِكَثْرَتِهَا فَلَا بَأْسَ بِتَعْدَادِ مَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ.
فَمِنْ الْعُيُوبِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الشَّلَلُ وَالشَّمُّ وَالصَّمَمُ وَالْخَرَسُ وَالْعَرَجُ وَالسِّنُّ السَّاقِطَةُ وَالشَّاغِيَةُ وَالسَّوْدَاءُ وَالْخَضْرَاءُ وَفِي الصَّفْرَاءِ خِلَافٌ وَوَجَعُهَا وَالْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ وَالنَّاقِصَةُ وَالظُّفْرُ الْأَسْوَدُ الْمُنْقِصُ لِلثَّمَنِ وَالْعُسْرُ وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْيَسَارِ عَجْزًا وَالثُّؤْلُولُ وَالْحَالُ إنْ كَانَا قَبِيحَيْنِ مُنْقِصَيْنِ وَالْكَذِبُ وَالنَّمِيمَةُ وَتَرْكُ الصَّلَاةِ وَغَيْرُهَا مِنْ الذُّنُوبِ وَالنِّكَاحُ وَالْقِمَارُ بِالنَّرْدِ وَنَحْوِهِ وَالْأَمْرَاضُ وَالْكَيُّ وَتَشَنُّجٌ فِي الْأَعْضَاءِ وَكَثْرَةُ الْأَكْلِ وَقِيلَ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ لَا فِي الْغُلَامِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إذَا أَفْرَطَ وَعَدَمُ اسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ وَالْحُمْقُ وَغَيْرُهَا.
وَمِنْ الْمُخْتَصَّةِ بِالْعَبْدِ الْعَتَهُ وَالْخَصِيُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ وُجِدَ فَحْلًا إذَا اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ خَصِيٌّ وَالْفَتْقُ وَالْأُدْرَةُ وَعَدَمُ الْخِتَانِ إذَا كَانَ كَبِيرًا وَالرُّعُونَةُ وَاللِّينُ فِي الصَّوْتِ وَالتَّكَسُّرُ فِي الْمَشْيِ إنْ كَثُرَ فَإِنْ قَلَّ لَا وَمَحْلُوقُ اللِّحْيَةِ أَوْ مَنْتُوفُهَا إذَا اشْتَرَى أَمْرَدَ وَالتَّخَنُّثُ بِالْعَمَلِ الْقَبِيحِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ.
وَمِنْ الْمُخْتَصَّةِ بِالْأَمَةِ الرَّتَقُ وَالْقَرَنُ وَالْعَفَلُ وَالْحَبَلُ وَالْمُغَنِّيَةُ وَعِدَّةُ رَجْعِيٍّ وَالْوِلَادَةُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ قَبْلَهُ وَثَقْبٌ فِي الْأُذُنَيْنِ إنْ وَاسِعًا وَمُحْتَرِقَةُ الْوَجْهِ لَا يُدْرَى حُسْنُهَا مِنْ قُبْحِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ دَمِيمَةً أَوْ سَوْدَاءَ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا جَمِيلَةٌ وَوَجَدَهَا قَبِيحَةً تُرَدُّ وَكُلُّ عَيْبٍ يُمْكِنُ الْمُشْتَرِي مِنْ إزَالَتِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ لَا يُرَدُّ بِهِ كَإِحْرَامِ الْجَارِيَةِ وَمِنْهَا مَا فِي الْحَيَوَانَاتِ مِنْ الْحَرُونِ وَالْحَزَنِ وَالْجَمْحِ وَالْفَدَعِ وَالصَّكَكِ وَالْفَحَجِ وَالْمَشَشِ وَالدَّخَسِ وَخَلْعِ الرَّأْسِ وَاللِّجَامِ وَالصَّدَفِ وَالشَّدَقِ وَالْعَثْرِ وَالْعَزْلِ وَقِلَّةِ الْأَكْلِ وَمَصِّ لَبَنِهَا جَمِيعًا وَعَدَمِ الْحَلْبِ إنْ كَانَتْ مِثْلُهَا تُشْتَرَى لِلْحَلْبِ وَإِنْ لِلَّحْمِ لَا وَمَا يَمْنَعُ التَّضْحِيَةَ فِي الْمُضَحِّي وَمِمَّا فِي غَيْرِهَا الْهَشِمُ وَالْحَرْقُ وَالْعُفُونَةُ وَكَوْنُ الْحِنْطَةِ مُسَوَّسَةً وَضِيقُ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ لَا كِلَاهُمَا وَالنَّقْبُ الْكَبِيرُ فِي الْجِدَارِ وَكَثْرَةُ بُيُوتِ النَّمْلِ فِي الْكَرْمِ أَوْ كَانَ فِيهِ مَمَرُّ الْغَيْرِ أَوْ مَسِيلُ الْغَيْرِ وَالنَّزُّ وَالسَّبَخُ وَكَوْنُ الْآيَةِ سَاقِطَةً أَوْ الْخَطَأُ فِي الْمُصْحَفِ وَعَدَمُ مَسِيلٍ فِي الدَّارِ وَعَدَمُ الشُّرْبِ فِي الْأَرْضِ أَوْ مُرْتَفِعَةٌ لَا تُسْقَى وَنَجَاسَةُ مَا يُنْقِصُهُ الْغُسْلُ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ فَوَاتَ الْمَشْرُوطِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ.
(فَإِنْ ظَهَرَ عَيْبٌ قَدِيمٌ) أَيْ كَائِنٌ عِنْدَ الْبَائِعِ بَعْدَمَا حَدَثَ (عِنْدَ الْمُشْتَرِي) أَيْ عَيْبٌ (آخَرُ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ) لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرَّدِّ بِسَبَبِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يَقُومَ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ ثُمَّ يَقُومُ وَهُوَ سَالِمٌ فَإِذَا عُرِفَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ (كَثَوْبٍ شَرَاهُ فَقَطَعَهُ) أَيْ الثَّوْبَ (فَاطَّلَعَ) الْمُشْتَرِي (عَلَى عَيْبٍ وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ) بَلْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ) اسْتَثْنَاهُ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا (بِأَخْذِهِ كَذَلِكَ) أَيْ مَعِيبًا أَوْ مَقْطُوعًا (فَلَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ (ذَلِكَ) أَيْ الْأَخْذُ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لَحِقَهُ فَأَسْقَطَ حَقَّهُ بِالرِّضَى (حَتَّى لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي) بَعْدَمَا حَدَثَ عَيْبٌ آخَرُ (سَقَطَ رُجُوعُهُ) بِالنُّقْصَانِ لِأَنَّهُ صَارَ حَابِسًا لَهُ بِالْبَيْعِ إذْ الرَّدُّ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بِالْقَطْعِ بِرِضَى الْبَائِعِ فَكَانَ مُفَوِّتًا لِلرَّدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا خَاطَهُ ثُمَّ بَاعَهُ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ حَابِسًا لَهُ بِالْبَيْعِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ قَبْلَهُ بِالْخِيَاطَةِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْبَيْعِ وَبَعْدَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ (فَإِنْ خَاطَ) الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا قَطَعَ (الثَّوْبَ أَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ) قَيَّدَ بِهِ لِتَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ ثَابِتَةً اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ يَكُونُ نُقْصَانًا عِنْدَهُ كَالْقَطْعِ وَقَالَا يَكُونُ زِيَادَةً.
(أَوْ لَتُّ السَّوِيقِ بِسَمْنٍ) أَيْ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ سَوِيقًا فَخَلَطَهُ بِسَمْنٍ (ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبُهُ رَجَعَ) عَلَى الْبَائِعِ (بِنُقْصَانِهِ) لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ نَوْعَانِ مُتَّصِلَةٌ وَهِيَ قِسْمَانِ مُتَوَلِّدَةٌ عَنْ الْأَصْلِ كَالْجَمَالِ حَيْثُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَغَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالصَّبْغِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ وَمُنْفَصِلَةٌ وَهِيَ أَيْضًا نَوْعَانِ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْمَبِيعِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَأَمَّا إذَا حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا وَغَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالْفَسْخِ فَإِذَا فَسَخَ تُسَلَّمُ الزِّيَادَةِ لِلْمُشْتَرِي (وَلَيْسَ لِبَائِعِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ) قَطْعًا لِحَقِّ الشَّرْعِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي لِوُجُودِ الرِّبَا (حَتَّى لَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ الْمِخْيَطَ أَوْ الْمَصْبُوغَ بِالْحُمْرَةِ أَوْ السَّوِيقُ الْمَلْتُوتُ بِالسَّمْنِ (بَعْدَ رُؤْيَةِ عَيْبِهِ لَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ) لِأَنَّ الرَّدَّ مُمْتَنِعٌ أَصْلًا قَبْلَهُ فَلَا يَكُونُ بِالْبَيْعِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ وَعَنْ هَذَا إنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا لِأَنَّ التَّمْلِيكَ حَصَلَ فِي الْأَوَّلِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ وَفِي الثَّانِي بَعْدَهَا بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيُمْكِنُهُ الرَّدُّ بِرِضَى الْبَائِعِ فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ وَإِنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَلَوْ أَعْتَقَ) الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ (بِلَا مَالٍ أَوْ دَبَّرَ أَوْ اسْتَوْلَدَ) قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْعِلْمِ لَا يَرْجِعُ (ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ رَجَعَ) بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ أَمَّا الْإِعْتَاقُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ انْتِهَاءُ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَا خُلِقَ فِي الْأَصْلِ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ مُوَقَّتًا إلَى الْإِعْتَاقِ فَكَانَ انْتِهَاءً كَالْمَوْتِ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَقَرَّرُ بِانْتِهَائِهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ وَالرَّدَّ مُتَعَذَّرٌ وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِالْعِتْقِ وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَبَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ الْمِلْكِ وَالتَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادُ بِمَنْزِلَتِهِ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَ لَا يُزِيلَانِ الْمِلْكَ إلَّا أَنَّ الْمَحَلَّ بِهِمَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَقَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَصَارَ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ.
(وَكَذَا) أَيْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ (إنْ ظَهَرَ) عَيْبٌ قَدِيمٌ (بَعْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ وَالِامْتِنَاعُ حُكْمِيٌّ لَا بِفِعْلِهِ.
(وَإِنْ عَتَقَ) الْمَبِيعَ (عَلَى مَالٍ أَوْ قَتْلٍ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ فِي الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ.
وَعَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّ الْبَدَلَ وَالْمُبْدَلَ مِلْكُهُ فَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ مَجَّانًا وَالْكِتَابَةُ كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ لِحُصُولِ الْعِوَضِ فِيهَا وَأَمَّا الْقَتْلُ فَلِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا مَضْمُونًا وَإِنَّمَا يَسْقُطُ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا فَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا ضَمِنَهُ السَّيِّدُ فَصَارَ كَالْمُسْتَفِيدِ بِهِ عِوَضًا بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لَا مَحَالَةَ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ فَكَأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ.
(وَكَذَا) لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ (لَوْ أَكَلَ الطَّعَامَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ) حَالَ كَوْنِهِ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَأَكَلَ مَا فِي أَحَدِهِمَا أَوْ بَاعَ ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبٍ كَانَ بِكُلِّ ذَلِكَ فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا فِي الْحَقَائِقِ (أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ فَتَخَرَّقَ) ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ (لَا يَرْجِعُ) بِالنُّقْصَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُمَا.
وَفِي الْمِنَحِ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ مَا بَقِيَ إنْ رَضِيَ الْبَائِعُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرَّدِّ فِي بَعْضٍ دُونَ الْكُلِّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرُدُّ الْبَاقِيَ مُطْلَقًا لِأَنَّ رَدَّهُ مُمْكِنٌ حَيْثُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَرَجَعَ بِالنُّقْصَانِ فِيمَا أَكَلَهُ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَقَدْ اعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَا يَرْجِعُ اسْتِحْسَانًا فِي الْأَكْلِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ وَعَنْهُمَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا أَكَلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي الْمُجْتَبِي لَوْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ غَيْبِهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتَى وَإِنْ بَاعَهُ نِصْفَهُ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ وَبِهِ يُفْتَى أَيْضًا.
وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ ابْنَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ أَوْ ضَيْفَهُ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ أَطْعَمَ عَبْدَهُ أَوْ مُدَبَّرَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ يَرْجِعُ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ.
وَلَوْ اشْتَرَى سَمْنًا ذَائِبًا وَأَكَلَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ كَانَ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُمَا وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ كَانَ غَزْلًا فَنَسَجَهُ أَوْ فُلَّيْقًا فَجَعَلَهُ إبْرَيْسَمًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ رَطَبًا وَانْتَقَصَ وَزْنُهُ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ.
(وَإِنْ شَرَى بَيْضًا أَوْ جَوْزًا أَوْ بِطِّيخًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ خِيَارًا فَكَسَرَهُ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ قَبْلَ كَسْرِهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ (فَوَجَدَهُ فَاسِدًا) بِأَنْ كَانَ مُنْتِنًا أَوْ مُرًّا.
(فَإِنْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهِ) فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ صَلَحَ لِأَكْلِ بَعْضِ النَّاسِ أَوْ الدَّوَابِّ (رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلَا يَرُدُّهُ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ إلَّا أَنَّهُ يَقْبَلُهَا الْبَائِعُ مَكْسُورًا وَيَرُدُّ الثَّمَنَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرُدُّهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ أَصْلًا (فَبِكُلِّ ثَمَنِهِ) أَيْ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْجَوْزِ صَلَاحُ قِشْرِهِ عَلَى مَا قِيلَ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ بِخِلَافِ بَيْضِ النَّعَامَةِ إذَا وَجَدَهُ فَاسِدًا بَعْدَ الْكَسْرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ الْقِشْرِ.
(وَلَوْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا وَهُوَ قَلِيلٌ كَالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِي الْمِائَةِ صَحَّ الْبَيْعُ) اسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ خُلُوِّهِ عَادَةً وَلَا خِيَارَ لَهُ كَالتُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ إلَّا أَنْ يَعُدَّهُ النَّاسُ عَيْبًا فَلَهُ الرَّدُّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَلِيلًا بَلْ كَثِيرًا (فَسَدَ) الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ (وَرَجَعَ بِكُلِّ ثَمَنِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِجَمْعِهِ فِي الْعَقْدِ بَيْنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الصَّحِيحِ مِنْهُ وَقِيلَ يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ إجْمَاعًا وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا مَكَانَ فَاسِدًا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ مِنْ عَيْبِ الْجَوْزِ قِلَّةَ لُبِّهِ وَسَوَادُهُ تَدَبَّرْ.
وَفِي الْفَتْحِ لَوْ اشْتَرَى دَقِيقًا فَخَبَزَهُ بَعْضَهُ وَظَهَرَ أَنَّهُ مُرٌّ رَدَّ مَا بَقِيَ وَرَجَّعَهُ بِنُقْصَانِ مَا خَبَزَ.
وَفِي الْبَحْرِ اشْتَرَى عَدَدًا مِنْ الْبِطِّيخِ أَوْ الرُّمَّانِ أَوْ السَّفَرْجَلِ فَكَسَرَ وَاحِدًا وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَا غَيْرُ.
وَلَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ أَنَّ الْبَاقِيَ فَاسِدٌ وَلَوْ وَجَدَ فِي الْمِسْكِ رَصَاصًا مَيَّزَهُ وَرَدَّهُ بِحِصَّةٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ.
(وَمَنْ بَاعَ مَا شَرَاهُ) بِآخَرَ (فَرَدَّ عَلَيْهِ) أَيْ بَائِعُ مَا شَرَاهُ (بِعَيْبٍ) أَوْ بِسَبَبِ عَيْبٍ (بِقَضَاءٍ) بَعْدَ قَبْضِهِ (بِإِقْرَارٍ) وَمَعْنَى الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ فَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا أُوِّلَ بِهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُنْكِرْ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بَلْ يَرُدُّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِعَيْبٍ فَإِذَا رَدَّ بِهِ بِلَا قَضَاءٍ لَا يَرُدُّ عَلَى بَائِعِهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ لَكِنْ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْكِرَ إقْرَارَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِالرَّدِّ فَيَرُدُّ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَكُونُ بَيْعًا لِعَدَمِ الرِّضَى كَمَا فِي التَّسْهِيلِ (أَوْ نُكُولٍ) عَنْ الْيَمِينِ (أَوْ بَيِّنَةٍ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ) الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجُعِلَ الْبَيْعُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لَكِنَّهُ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَائِعَهُ لِتَنَاقُضِهِ، وَغَايَتُهُ عَلَى أَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ جُحُودٌ نَصًّا بِأَنْ قَالَ بِعْته وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَإِنَّمَا حَدَثَ عِنْدَك ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَائِعَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى مَا إذَا كَانَ سَاكِتًا وَالْبَيِّنَةُ تَجُوزُ عَلَى السَّاكِتِ وَيَسْتَحْلِفُ السَّاكِتَ أَيْضًا لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ مُنْكِرٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَلَوْ قَبِلَهُ بِرِضَاءٍ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى بَائِعِهِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ فِي عَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ يَرُدُّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي الرَّمْزِ هَذَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ بِالتَّرَاضِي فِي غَيْرِ الْعَقَارِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ.
(وَمَنْ قَبَضَ مَا شَرَاهُ ثُمَّ ادَّعَى عَيْبًا لَا يَجُوزُ) الْمُشْتَرِي (عَلَى دَفْعِ ثَمَنِهِ) إلَى الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ (بَلْ يُبَرْهِنُ) الْمُشْتَرِي أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ لِإِثْبَاتِ الْعَيْبِ بِأَنَّهُ وَجَدَ بِالْبَيْعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَالَ فَإِذَا بَرْهَنَ أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُبَرْهِنَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ بِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ (أَوْ يَحْلِفُ بَائِعُهُ) عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ إنْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ قِيَامُ الْعَيْبِ لِلْحَالِ ثُمَّ يَحْلِفُ ثَانِيًا عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِنْدَهُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا (فَإِنْ قَالَ) الظَّاهِرُ بِالْوَاوِ (شُهُودِي غُيَّبٌ) جَمْعُ غَائِبٍ (دَفَعَ) الثَّمَنَ (إنْ حَلَفَ بَائِعُهُ) لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ ضَرَرًا بِالْبَائِعِ وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَتَى أَقَامَ الْبَيِّنَةَ رَدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ (وَلَزِمَ الْعَيْبَ إنْ نَكَلَ) الْبَائِعُ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ فِيهِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ.
وَفِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ هُنَا كَلَامٌ فَلْيُرَاجَعْ شُرُوحَهَا.
(وَمَنْ ادَّعَى) أَيْ الْمُشْتَرِي (إبَاقَ مَشْرِيِّهِ) أَيْ إبَاقَ الرَّقِيقِ الَّذِي اشْتَرَاهُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ (يُبَرْهِنُ) الْمُشْتَرِي (أَوَّلًا أَنَّهُ) أَيْ الرَّقِيقَ (أَبَقَ عِنْدَهُ) يَعْنِي لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي هَذِهِ حَتَّى يُثْبِتَ وُجُودَ الْعَيْبِ عِنْدَهُ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ (ثُمَّ يَحْلِفُ بَائِعُهُ) عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ وَيُقَالُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّحْلِيفِ (بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا أَبَقَ قَطُّ) وَفِي الْمِنَحِ هَذَا هُوَ الْأَحْوَطُ انْتَهَى لَكِنْ فِي هَذَا الْوَجْهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَمَا أَبَقَ قَطُّ شَامِلٌ لِلْإِبَاقِ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَنْزِلَ مَوْلَاهُ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ (أَوْ بِاَللَّهِ مَالَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَيْك مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي) الْمُشْتَرِي (أَوْ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ) كَمَا فِي الْكَنْزِ لَكِنْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِبَاقَ مِنْ الْمُودِعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْغَاصِبِ لَا إلَى مَنْزِلِ مَوْلَاهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ أَنَّهُ عَيْبٌ (لَا) يَحْلِفُ بِأَنْ يُقَالَ (بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ) لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ وَبِهِ يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي (أَوْ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ) إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَوِّلَ الْبَائِعُ كَلَامَهُ وَيُرِيدُ أَنَّ الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ مَعًا فَيَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي (وَفِي إبَاقِ الْكَبِيرِ) إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ الْكَبِيرِ (يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ مُنْذُ بَلَغَ الرِّجَالُ) لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصِّغَرِ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ.
وَفِي الدُّرَرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ لِاشْتِرَاكِهَا فِي الْعِلَّةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْحَالَةِ شَرْطٌ فِي الْعُيُوبِ الثَّلَاثَةِ (وَعِنْدَ عَدَمِ بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى إبَاقِهِ عِنْدَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (يَحْلِفُ الْبَائِعُ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَبْدُ (أَبَقَ عِنْدَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ حَتَّى تَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَكَذَا الْيَمِينُ (وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ) فَقِيلَ يَحْلِفُ وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَا تَصْلُحُ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ (فَإِنْ نَكَلَ) الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ (عَلَى قَوْلِهِمَا) ثَبَتَ إبَاقُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي.
وَ (حَلَفَ ثَانِيًا) لِلرَّدِّ (كَمَا مَرَّ) فَإِنَّ بِنُكُولِهِ ثَبَتَ الْعَيْبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي هَذَا فِي الْعُيُوبِ الَّتِي لَا تَظْهَرُ لِلْقَاضِي وَلَا يُعْرَفُ أَهِي حَادِثَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا وَأَمَّا الْعُيُوبُ الَّتِي لَا يَحْدُثُ مِثْلُهَا كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ وَالنَّاقِصَةِ وَالْعَمَى فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالرَّدِّ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ لِتَيَقُّنِهِ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ إلَّا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ رِضَاهُ وَأَثْبَتهُ بِطَرِيقِهِ.
(وَلَوْ قَالَ بَائِعُهُ بَعْدَ التَّقَابُضِ) أَيْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَالْبَائِعُ الثَّمَنَ (بِعْتُك هَذَا مَعَ آخَرَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي) لَا (بَلْ) بِعْت هَذَا (وَحْدَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ.
(وَكَذَا) يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي (لَوْ اتَّفَقَا فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَقْبُوضِ) لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ.
(وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً) أَيْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ (وَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِالْمَقْبُوضِ أَوْ بِالْآخَرِ عَيْبًا رَدَّهُمَا) أَيْ الْعَبْدَيْنِ جَمِيعًا (أَوْ أَخَذَهُمَا) جَمِيعًا (وَلَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْمَقْبُوضَ خَاصَّةً لِأَنَّ الصَّفْقَةَ فِيهِ تَمَّتْ لِتَنَاهِيهَا فِيهِ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ يَتَعَلَّقُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْكُلِّ (إلَّا إنْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بَعْدَ قَبْضِهِمَا) لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ بَعْدَ التَّمَامِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَحْدَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي عَبْدَيْنِ لِكَوْنِهِ مِمَّا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ كَمَا إذَا اشْتَرَى خُفَّيْنِ وَوَجَدَ فِي أَحَدِهِمَا عَيْبًا لَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً اتِّفَاقًا لِأَنَّهُمَا فِي الْمَعْنَى وَالْمَنْفَعَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَعْنَى وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَيْ ثَوْرٍ وَقَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا وَقَدْ أَلِف أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِحَيْثُ لَا يَعْمَلُ بِدُونِهِ لَا يَمْلِكُ رَدَّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً.
(وَلَوْ) كَانَ الْمَبِيعُ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، وَ (وُجِدَ بَعْضُ الْكَيْلِيِّ أَوْ الْوَزْنِيِّ مَعِيبًا بَعْدَ الْقَبْضِ رَدَّ كُلَّهُ أَوْ أَخَذَهُ) أَيْ أَخَذَ كُلَّهُ بِعَيْبِهِ لِأَنَّهُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَعْضَ سَوَاءً كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ كَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ إذَا وَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا بِخِلَافِ الْعَبْدَيْنِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ اتِّفَاقِيٌّ وَلَوْ تَرَكَهُ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ (وَقِيلَ هَذَا) أَيْ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّ الْكُلِّ أَوْ أَخْذِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ فِي وِعَاءَيْنِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ (فَهُوَ كَالْعَبْدَيْنِ) حَتَّى يَرُدَّ الْوِعَاءَ الَّذِي وَجَدَ فِيهِ الْعَيْبَ وَحْدَهُ.
(وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ) أَيْ بَعْضَ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ (بَعْدَ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ رَدُّ مَا بَقِيَ بِخِلَافِ الثَّوْبِ) قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ فَإِنْ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ خُيِّرَ فِي الْكُلِّ لِتَفْرِيقِ الصِّفَةِ وَإِنْ بَعْدَ الْقَبْضِ خُيِّرَ مِنْ الْقِيَمِيِّ لَا فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ فِي الْقِيَمِيِّ كَالثَّوْبِ عَيْبٌ فَيُخَيَّرُ بِخِلَافِ الْمِثْلِيِّ وَفِي شُرُوطِ ظَهِيرِ الدِّينِ إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الدَّارِ شَائِعًا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ عِنْدَنَا إنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ وَرَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ مَا بَقِيَ وَرَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِ الْمُسْتَحَقِّ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ مِنْهَا مَوْضِعٌ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ وَإِنْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَيَرْجِعُ بِثَمَنِ الْمُسْتَحَقِّ.
وَقَالَ الْخَصَّافُ: لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ وَيَرْجِعَ بِالثَّمَنِ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ فَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ إلَّا بِضَرَرٍ كَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَالْكَرْمِ وَالْعَبْدِ، يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الْمَبِيعَيْنِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى شَيْئَيْنِ فَحُكْمُهُ مَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا فَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ وَرَدَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى مَقْبُوضٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِتَفْرِيقِ الصِّفَةِ قَبْلَ التَّمَامِ (وَمُدَاوَاةُ) الْمُشْتَرِي (الْمَعِيبِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ وَرُكُوبِهِ) أَيْ رُكُوبُهُ الْمَعِيبَ بَعْدَهَا وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ وَالْكِتَابَةُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ وَاللِّبْسِ وَالسُّكْنَى (رَضِيَ) لِأَنَّهُ دَلِيلُ الِاسْتِبْقَاءِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِاسْتِخْدَامَ بَعْدَ الْعِلْمِ لَا يَكُونُ رِضًى اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ النَّاسَ يَتَوَسَّعُونَ فِيهِ وَهُوَ لِلِاخْتِيَارِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الِاسْتِخْدَامَ رِضًى بِالْعَيْبِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا إذَا كَانَ فِي نَوْعٍ آخَرَ.
وَفِي التَّنْوِيرِ اشْتَرَى جَارِيَةً لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا لَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا كَمَا لَوْ اسْتَخْدَمَهَا.
وَفِي الْغَرَرِ اشْتَرَى جَارِيَةً وَلَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ عُيُوبِهَا فَوَطِئَهَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ تَرُدَّهَا مُطْلَقًا وَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ.
(وَلَوْ رَكِبَهُ لِرَدِّهِ) عَلَى الْبَائِعِ (أَوْ سَقْيِهِ أَوْ شِرَاءِ عَلَفِهِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَلَا) أَيْ لَا يَكُونُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ رَضِيَ بِالْعَيْبِ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ قِيلَ الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ لَا يَكُونُ رِضًى كَيْفَ مَا كَانَ.
وَفِي الْبَحْرِ ادَّعَى عَيْبًا فِي حِمَارٍ فَرَكِبَهُ لِيَرُدَّهُ وَعَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَرَكِبَهُ جَائِيًا فَلَهُ الرَّدُّ وَلَوْ رَكِبَ لِيَنْظُرَ إلَى سَيْرِهَا فَهُوَ رِضًى.
وَفِي الْفَتْحِ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فِي السَّفَرِ وَهُوَ يَخَافُ عَلَى حَمْلِهِ حَمَلَهُ عَلَيْهَا وَيَرُدُّ بَعْدَ انْقِضَاءِ سَفَرِهِ وَهُوَ مَعْذُورٌ.
(وَلَوْ قُطِعَ) يَدُ الْعَبْدِ (الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي (أَوْ قُتِلَ بِسَبَبٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَطَعَ وَقَتَلَ عَلَى التَّنَازُعِ كَانَ (عِنْدَ الْبَائِعِ رَدَّهُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ) فِي صُورَةِ الْقَطْعِ يَعْنِي اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَوْ الْقَبْضِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ ثَمَنَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَكَذَا إذَا قُتِلَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَكِنْ فِي الْقَتْلِ لَا يُرَدُّ بَلْ أَخَذَ الثَّمَنَ (وَقَالَا) لَا يَرُدُّهُ بَلْ (رَجَعَ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ كَوْنِهِ سَارِقًا وَغَيْرَ سَارِقٍ أَوْ قَاتِلًا وَغَيْرَ قَاتِلٍ إنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمُشْتَرِي (بِالْعَيْبِ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ عِنْدَ الشِّرَاءِ (فَلَا) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَهُ وَبِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ عِنْدَ هُمَا لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فَيَنْفُذُ الْعَقْدُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُتَعَيَّبٌ فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ حَصَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيُضَافُ الْوُجُودُ إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَيْبِ رِضًى بِهِ، وَلَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُخَيَّرٍ بَيْنَ إمْسَاكِهِ وَالرُّجُوعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ فَلَهُ إمْسَاكُهُ وَأَخْذُ نِصْفِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا الْعَيْبَ حَتَّى لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْقَطْعِ حَتْفَ أَنْفِهِ رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ عِنْدَهُ كَالِاسْتِحْقَاقِ، قَيَّدَ بِكَوْنِ الْقَطْعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ بَاعَهُ فَمَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُ أَيْضًا وَبِالْقَطْعِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مَرِيضًا فَمَاتَ مِنْهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ عَبْدًا زَنَى عِنْدَ الْبَائِعِ فَجُلِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ بِهِ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُ أَيْضًا.
وَكَذَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ الْبِكْرَ ثُمَّ بَاعَهَا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ النِّكَاحَ ثُمَّ وَطِئَهَا الزَّوْجُ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْبَكَارَةِ وَإِنْ كَانَ زَوَالُهَا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي) يَعْنِي بَعْدَ وُجُوبِ سَبَبِ الْقَطْعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي بِالْبَيَّاعَاتِ (ثُمَّ قُطِعَ فِي يَدِ) الْمُشْتَرِي (الْأَخِيرِ رَجَعَ الْبَاعَةُ) جَمْعُ بَائِعٍ وَأَصْلُهُ بَيْعَةٍ عَلَى وَزْنِ نَصْرَةِ (بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ) الْمُشْتَرِي (الْأَخِيرُ عَلَى بَائِعِهِ لَا) يَرْجِعُ (بَائِعُهُ) أَيْ بَائِعُ الْمُشْتَرِي (عَلَى بَائِعِهِ) كَمَا فِي الْعَيْبِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَخِيرَ لَمْ يَصِرْ حَابِسًا الْمَبِيعَ حَيْثُ لَمْ يَبِعْهُ وَلَا كَذَلِكَ الْآخَرُونَ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ صَحَّ وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (لَمْ يَعُدَّ الْعُيُوبَ) عِنْدَنَا لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْإِبْرَاءِ لَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ وَإِنْ تَضَمَّنَ التَّمْلِيكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَهُوَ يُؤَدِّي إلَى تَمْلِيكِ الْمَجْهُولِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَعِنْدَ زُفَرَ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ إذَا كَانَ مَجْهُولًا حَتَّى إذَا ذَكَرَ الْعُيُوبَ وَعَدَّدَهَا صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ عَنْهَا كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعَيْبِ مَعَ التَّسْمِيَةِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي وَقَدْ جَرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرِ الدَّوَانِقِيِّ فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ أَرَأَيْت لَوْ بَاعَ جَارِيَةً.
وَفِي مَوْضِعِ الْمَأْتِيِّ مِنْهَا عَيْبٌ أَوْ غُلَامًا فِي ذَكَرِهِ عَيْبٌ، أَكَانَ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُرِيَ الْمُشْتَرِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ ؟ وَلَمْ يَزَلْ يُعْمَلُ بِهِ هَكَذَا حَتَّى أَقْحَمَهُ وَضَحِكَ الْخَلِيفَةُ مِمَّا صَنَعَ بِهِ (وَيَدْخُلُ فِي الْبَرَاءَةِ) عَنْ الْعُيُوبِ الْعَيْبُ (الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَهُ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمَبْسُوطِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِمَا لِأَنَّ الْمُرَادَ لُزُومُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ صِفَةِ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدِ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَادِثُ إذَا الْمَقْصُودُ هُوَ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْعَيْبِ الْمَوْجُودِ لَا عَلَى الْعُمُومِ فَلَا يَدْخُلُ الْمَعْدُومُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ لَا يَدْخُلُ الْحَادِثُ وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَمَا يَحْدُثُ لَمْ يَصِحَّ إجْمَاعًا فَاسْتَشْكَلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ مَعَ التَّنْصِيصِ لَا يَصِحُّ فَكَيْفَ يُصَحِّحُهُ وَيُدْخِلُهُ بِلَا تَنْصِيصٍ وَلَكِنْ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ فَيَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُقِيمُ السَّبَبَ وَهُوَ الْعَقْدُ مَقَامَ الْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ.
وَفِي التَّنْوِيرِ أَبْرَأهُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ فَهُوَ عَلَى مَا فِي الْبَاطِنِ فِي الْعَادَةِ وَمَا سِوَاهُ مَرَضٌ.
اشْتَرَى عَبْدًا فَقَالَ لِمَنْ سَاوَمَهُ إيَّاهُ اشْتَرِهِ فَلَا عَيْبَ بِهِ.
فَلَمْ يَتَّفِقْ الْبَيْعُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الرَّدِّ عَلَيْهِ إقْرَارُهُ السَّابِقُ وَلَوْ عَيَّنَهُ بِأَنْ قَالَ لَا عَوَرَ لَا يَرُدُّهُ لِإِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِهِ.
قَالَ عَبْدِي هَذَا آبِقٌ فَاشْتَرِهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ وَبَاعَ مِنْ آخَرَ فَوَجَدَهُ الثَّانِي آبِقًا لَا يَرُدُّهُ بِمَا سَبَقَ مِنْ الْإِقْرَارِ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ.
بَاعَ عَبْدًا وَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بَرِئْت إلَيْك مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ إلَّا الْإِبَاقَ فَوَجَدَهُ آبِقًا فَلَهُ الرَّدُّ وَلَوْ قَالَ إلَّا إبَاقَهُ فَوَجَدَهُ آبِقًا لَا.
مُشْتَرٍ لِعَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قَالَ: أَعْتِقْ الْبَائِعَ أَوْ دَبِّرْ أَوْ اسْتَوْلِدْ الْأَمَةَ أَوْ هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ.
حَلَفَ فَإِنْ حَلَفَ قَضَى عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا قَالَهُ لِإِقْرَارِهِ بِمَا ذَكَرَ وَرَجَعَ بِالْعَيْبِ إنْ عَلِمَ بِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ بَاعَهُ وَهُوَ مِلْكُ فُلَانٍ وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ وَأَخَذَهُ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ.
وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِمَشْرِيِّهِ عَيْبًا وَأَرَادَ الرَّدَّ بِهِ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ الْبَائِعُ الدَّرَاهِمَ إلَى الْمُشْتَرِي جَازَ وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَصِحُّ.
رَضِيَ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَعَ الْعَيْبِ يُسَاوِي الثَّمَنَ وَإِلَّا لَا.
ظَهَرَ عَيْبٌ بِمُشْتَرِي الْغَائِبِ عِنْدَ الْقَابِضِ فَوَضْع الْمَبِيعَ عِنْدَ عَدْلٍ فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا قَضَى بِالرَّدِّ عَلَى بَائِعِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

أَخَّرَهُ عَنْ الصَّحِيحِ لِكَوْنِهِ عَقْدًا مُخَالِفًا لِلدِّينِ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ يَجِبُ رَفْعُهَا وَعَنْوَنَهُ بِهِ وَإِنْ ذُكِرَ فِيهِ الْبَاطِلُ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ أَنْوَاعِهِ وَغَيْرُهُ يُذْكَرُ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِطْرَادِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْفَاسِدُ كَمَا يُذْكَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْبَاطِلِ كَذَا يُذْكَرُ فِي مُقَابَلَةِ الصَّحِيحِ فَيُرَادُ مِنْهُ مَا يَعُمُّ الْبَاطِلَ وَهُوَ الْمُرَادُ هَهُنَا انْتَهَى.
لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَشْمَلَ الصَّحِيحَ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي مُقَابَلَةِ الْبَاطِلِ وَلَا وَجْهَ لَهُ تَدَبَّرْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْبُيُوعَ عَلَى أَنْوَاعٍ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، وَبَاطِلٌ وَهُوَ ضِدُّهُ وَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِوَجْهٍ.
وَفَاسِدٌ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ دُونَ الْوَصْفِ وَيُفِيدُ الْمِلْكَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ لَكِنْ جَاوَرَهُ شَيْءٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمَوْقُوفٌ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَيُفِيدُ الْمِلْكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ وَلَا يُفِيدُ تَمَامَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ.
(بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَيْعُ) أَيْ بَيْعُ الشَّيْءِ (بِهِ) أَيْ جَعْلُهُ ثَمَنًا بِإِدْخَالِ الْبَاءِ عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ بِعْت هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ الْمَيْتَةِ مَثَلًا (بَاطِلٌ كَالدَّمِ) الْمَسْفُوحِ (وَالْمَيْتَةِ) الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا لِأَنَّ الْمُنْخَنِقَةَ وَأَمْثَالَهَا مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ (وَالْحُرِّ) لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ الْحُرَّ مَالٌ فِي شَرِيعَةِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَتَّى اُسْتُرِقَّ السَّارِقُ عَلَى مَا قَالُوا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَكَذَا) يَبْطُلُ (بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ) الْمُطْلَقِ إلَّا بِالْقَضَاءِ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَلِذَلِكَ فَصَّلَهُ بِقَوْلِهِ وَكَذَا كَمَا فِي الْإِيضَاحِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَنَفَاذُ الْقَضَاءِ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ ضَعِيفٌ وَفِي قَضَاءِ الْبَزَّازِيَّةِ أَظْهَرَ عَدَمَ النَّفَاذِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْفَتْحِ النَّفَاذَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي تَدَبَّرْ.
قَيَّدْنَا بِالْمُطْلَقِ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُقَيَّدِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ جَائِزٌ مُطْلَقًا.
(وَكَذَا) يَبْطُلُ (بَيْعُ الْمُكَاتَبِ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ فَسْخِهِ وَفِي بَيْعِهِ إبْطَالٌ لِذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقِ اللَّازِمِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ (إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ) الْمُكَاتَبُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا الْجَوَازُ لِأَنَّ رِضَاهُ بِهِ مُتَضَمِّنٌ تَعْجِيزَ نَفْسِهِ.
(وَكَذَا) يَبْطُلُ (بَيْعُ مَالٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِالثَّمَنِ) وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْبَيْعِ عَيْنُ الْمَبِيعِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُنْتَفَعُ بِهَا لَا عَيْنُ الثَّمَنِ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ وَسِيلَةً إلَيْهِ وَلِهَذَا يَجُوزُ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ وَإِذَا جُعِلَتْ الْخَمْرُ مَبِيعَةً تَكُونُ مَقْصُودَةً وَفِيهِ إعْزَازٌ وَالشَّرْعُ أَمَرَ بِإِهَانَتِهَا وَلِهَذَا يَبْطُلُ بَيْعُهَا.
(وَ) كَذَا يَبْطُلُ (بَيْعُ قِنٍّ ضُمَّ إلَى حُرٍّ وَذَكِيَّةٍ ضُمَّتْ إلَى مَيْتَةٍ) مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (بَيْنَ ثَمَنِ كُلٍّ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْحُرَّ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَالٍ وَبِضَمِّهِ إلَى الْقِنِّ جُعِلَ شَرْطًا لِقَبُولِ الْقِنِّ وَجَعْلُ غَيْرِ الْمَالِ شَرْطًا لِقَبُولِ الْمَبِيعِ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ وَكَذَا الْمَيْتَةُ (وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ إنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ) لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَعَدِّدَةٌ مَعْنًى بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَالْفَسَادُ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ بِالنِّكَاحِ لَكِنَّ التَّنْظِيرَ لَيْسَ بِمَحَلِّهِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْبَيْعُ تَأَمَّلْ.
(وَصَحَّ) الْبَيْعُ (فِي قِنٍّ ضُمَّ إلَى) مَمْلُوكٍ لَهُ مِنْ (مُدَبَّرٍ) مُطْلَقٍ أَوْ مُقَيَّدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ فَالْمَمْلُوكُ أَعَمُّ خِلَافًا لِزُفَرَ (أَوْ) ضُمَّ (إلَى قِنِّ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْبَائِعِ (بِالْحِصَّةِ) أَيْ صَحَّ بِحِصَّةِ الْقِنِّ فِي الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْحِصَّةَ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ جَائِزٌ بِالْقَضَاءِ وَبَيْعَ الْمُكَاتَبِ بِرِضَاهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَيَصِيرُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ فَدَخَلُوا ابْتِدَاءً فِي الْعَدِّ ثُمَّ خَرَجُوا عَنْهُ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِاتِّصَالِ الْحُرِّيَّةِ بِهِمْ مِنْ وَجْهٍ فَصَارَ جَمْعُ الْعَبْدِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ عَبْدَيْنِ اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا وَبَيْعُ قِنِّ الْغَيْرِ يَجُوزُ مَوْقُوفًا فَيَصِيرُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ.
وَفِي الْحَقَائِقِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ (وَكَذَا) صَحَّ الْبَيْعُ (فِي مِلْكٍ ضُمَّ إلَى وَقْفٍ فِي الصَّحِيحِ) بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُ الْمِلْكِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ بِحِصَّتِهِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ.
وَفِي الْفَوَائِدِ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ قَرْيَةٍ لَمْ يُسْتَثْنَ مِنْهَا الْمَسَاجِدُ وَالْمَقَابِرُ انْتَهَى.
وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ بِصَرْفِ الْكَلَامِ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمَعْنَوِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ تَدَبَّرْ.
(وَبَيْعُ الْعَرَضِ) أَيْ غَيْرِ الثَّمَنِ (بِالْخَمْرِ أَوْ بِالْعَكْسِ) وَالْأَوْلَى وَبِالْعَكْسِ بِالْوَاوِ أَيْ بَيْعُ الْخَمْرِ بِالْعَرَضِ (فَاسِدٌ) فِي الْعَرَضِ فَيَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّ الْخَمْرَ عِنْدَ الْبَعْضِ مَالٌ وَلَا يُمْلَكُ الْخَمْرُ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي الْخَمْرِ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الشَّرْعِ (وَكَذَا بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْعَرَضِ (الْخِنْزِيرِ) فَاسِدٌ فِي الْعَرَضِ بَاطِلٌ فِي الْخِنْزِيرِ كَمَا فِي الْخَمْرِ وَلَمْ يُذْكَرْ بَيْعُ الْخِنْزِيرِ بِالْعَرَضِ.
وَفِي التَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِ فَسَدَ لَوْ قُوبِلَ خَمْرٌ أَوْ خِنْزِيرٌ أَوْ شَعْرُهُ بِعَيْنٍ سَوَاءٌ بِيعَتْ بِهِ أَوْ بِيعَ بِهَا إذَا أَمْكَنَ جَعْلُ الْعَيْنِ مَقْصُودًا انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بَيْعُ الْأَرْضِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ أَوْ بِالْعَكْسِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْلَى تَدَبَّرْ.

.بَيْعُ الطَيْرٍ فِي الْهَوَاءِ:

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ طَيْرٍ فِي الْهَوَاءِ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَأْخُذَ صَيْدًا ثُمَّ يُرْسِلَهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ يَبِيعَهُ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ بَيْعَ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ هَذَا إذَا كَانَ الطَّيْرُ يَطِيرُ وَلَا يَرْجِعُ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ وَكْرٌ عِنْدَهُ يَطِيرُ مِنْهُ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ جَازَ بَيْعُهُ وَالْحَمَامُ إذَا عُلِمَ عَوْدُهَا وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا جَازَ بَيْعُهَا لِأَنَّهَا مَقْدُورَةُ التَّسْلِيمِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ لَا يَرْجِعُ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ.
(وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (سَمَكٍ لَمْ يُصَدْ) لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ بُطْلَانَهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ بَيْعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ لَكِنَّ مَحَلَّ وُقُوعِهِ فَاسِدًا إنْ كَانَ بِالْعَرَضِ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ بِالْإِحْرَازِ، وَلَا إحْرَازَ كَمَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ لِأَنَّ السَّمَكَ الَّذِي لَمْ يُصَدْ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِيهِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ (أَوْ صِيدَ وَأُلْقِيَ فِي حَظِيرَةٍ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا بِلَا حِيلَةٍ) فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لِلْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ (أَوْ دَخَلَ إلَيْهَا) أَيْ مَسُوقًا إلَى الْحَظِيرَةِ (بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُسَدَّ مَدْخَلُهُ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ.
وَفِي الزَّاهِدِيِّ إذَا اجْتَمَعَتْ بِنَفْسِهَا فَبَيْعُهَا بَاطِلٌ كَيْفَ مَا كَانَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ.
(وَإِنْ صِيدَ وَأُلْقِيَ فِيهَا) أَيْ فِي الْحَظِيرَةِ (وَأَمْكَنَ أَخْذُهُ) أَيْ السَّمَكِ (بِلَا حِيلَةٍ صَحَّ) بَيْعُهُ لِكَوْنِهِ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ لَكِنْ إذَا سَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يُهَيِّئْ الْحَظِيرَةَ أَوْ الْأَرْضَ لِلِاصْطِيَادِ أَمَّا إذَا هَيَّأَهَا لَهُ يَمْلِكُهَا بِلَا خِلَافٍ.

.بَيْعُ الْحَمْلِ أَوْ النِّتَاجِ:

(وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ الْحَمْلِ أَوْ النِّتَاجِ) وَفِي الدُّرَرِ جُعِلَ بَيْعُ النِّتَاجِ بَاطِلًا وَبَيْعُ الْحَمْلِ فَاسِدًا لِأَنَّ عَدَمَ الْأَوَّلِ مَقْطُوعٌ بِهِ وَعَدَمَ الثَّانِي مَشْكُوكٌ فِيهِ انْتَهَى.
لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَالْحَمْلُ بِسُكُونِ الْمِيمِ بِمَعْنَى الْجَنِينِ وَالنِّتَاجُ حَمْلُ الْحَبَلَةِ وَالْبَيْعُ فِيهِمَا بَاطِلٌ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ بَيْعِهِمَا تَدَبَّرْ.

.بيع اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ:

(وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ) فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لِلْغَرَرِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ انْتِفَاخًا وَلِأَنَّهُ تَنَازُعٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلْبِ وَرُبَّمَا يَزْدَادُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ كَمَا فِي الْمِنَحِ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ كَوْنِهِ انْتِفَاخًا يَقْضِي أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ مَشْكُوكُ الْوُجُودِ فَلَا يَكُونُ مَالًا تَأَمَّلْ.
قَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ الشَّيْءِ الْمَلْفُوفِ الْمَوْصُوفِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُوجَدَ شَيْءٌ أَوْ وَصْفُهُ الْمَذْكُورُ مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِجَوَازِهِ انْتَهَى.
وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ عَدَمَ وُجْدَانِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْآخَرِ أَنْ لَا يَكُونَ مَالًا وَالشَّيْءُ يَقْتَضِي الْمَالِيَّةَ وَالِانْتِفَاخُ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْقِيَاسُ غَيْرُ جَائِزٍ تَدَبَّرْ.

.بيع اللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ :

(وَكَذَا) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (اللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ) فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لِلْغَرَرِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ وَلَا قَدْرُهُ وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ الْكَسْرُ كَمَا فِي الْمِنَحِ لَكِنْ فِي تَعْلِيلِهِ كَلَامٌ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ الَّذِي لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ بَاطِلًا تَأَمَّلْ (وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ) لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ يَزِيدُ مِنْ الْأَسْفَلِ بِغَيْرِ انْقِطَاعٍ فَيَخْتَلِطُ الْغَيْرُ بِالْمَبِيعِ.
وَفِي شُرُوحِ الْوِقَايَةِ وَيَعُودُ صَحِيحًا إنْ قُلِعَ انْتَهَى لَكِنْ فِي السِّرَاجِ لَوْ سُلِّمَ الصُّوفُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا تَأَمَّلْ.
(خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا) فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ بَيْعَ اللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ لِتَيَسُّرِ التَّسْلِيمِ وَلَا ضَرَرَ بِالْكَسْرِ لِأَنَّ الصَّدَفَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِالْكَسْرِ وَلَكِنْ يُخَيَّرُ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَكَذَا يُجَوِّزُ بَيْعُ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ.

.بَيْعُ اللَّحْمِ فِي الشَّاةِ :

(وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ اللَّحْمِ فِي الشَّاةِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَهْزُولًا أَوْ سَمِينًا فَيُفْضِي إلَى النِّزَاعِ.
(وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (ضَرْبَةِ الْقَانِصِ) وَهُوَ بِالْقَافِ وَالنُّونِ: الصَّائِدُ يَقُولُ بِعْتُك مَا يَخْرُجُ مِنْ إلْقَاءِ هَذِهِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً بِكَذَا وَقِيلَ بِالْغَيْنِ وَالْيَاءِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَزْهَرِيِّ نُهِيَ عَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ وَهُوَ الْغَوَّاصُ بِأَنْ يَقُولَ أَغُوصُ غَوْصَةً فَمَا أَخْرَجْته مِنْ اللَّآلِئِ فَهُوَ لَك بِكَذَا وَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ لِعَدَمِ مِلْكِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَكَانَ غَرَرًا وَلِجَهَالَةِ مَا يَخْرُجُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُرَاجَعْ.
(وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (جِذْعٍ) يَعْنِي الْجِذْعَ الْمُعَيَّنَ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ لَا يَعُودُ صَحِيحًا كَمَا فِي الِاصْطِلَاحِ (فِي سَقْفٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ) يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ كَالْقَمِيصِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (ذَكَرَ قَطْعَهُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ وَقَيَّدْنَا بِالضَّرَرِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّا لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ كَالْكِرْبَاسِ فَيَجُوزُ وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ فِي آجِرٍ مِنْ حَائِطٍ وَذِرَاعٍ مِنْ كِرْبَاسٍ أَوْ دِيبَاجٍ لَا يَجُوزُ مَمْنُوعٌ فِي الْكِرْبَاسِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى كِرْبَاسٍ يَتَعَيَّبُ بِهِ وَأَمَّا مَا لَا يَتَعَيَّبُ فِيهِ فَيَجُوزُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (فَلَوْ قَلَعَ الْجِذْعَ) الْمُعَيَّنَ (أَوْ قَطَعَ الذَّارِعَ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْفَسْخِ عَادَ صَحِيحًا) لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ التَّقَرُّرِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ جِلْدَ الْحَيَوَانِ وَذَبَحَهُ وَسَلَّمَهُ حَيْثُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بَزْرًا فِي بِطِّيخٍ وَنَحْوِهِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ شَقَّهُ وَأَخْرَجَ الْمَبِيعَ.

.بيع الْمُزَابَنَةِ:

(وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (الْمُزَابَنَةِ) وَلَوْ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَهِيَ بَيْعُ الثَّمَرِ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ (عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ (مَجْذُوذٍ) أَيْ مَقْطُوعِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (مِثْلَ كَيْلِهِ خَرْصًا) أَيْ خَرَزًا وَظَنًّا لَا حَقِيقِيًّا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلُهُ كَيْلًا حَقِيقِيًّا لَمْ يَبْقَ مَا عَلَى الرَّأْسِ تَمْرًا بَلْ تَمْرًا مَجْذُوذًا كَاَلَّذِي يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَجْذُوذِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُمَاثَلَةِ تُفْضِي إلَى الرِّبَا وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا.
وَفِي الْمِنَحِ وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ فَسَّرَ الْمُزَابَنَةَ بِمَا سَمِعْت مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالْمُثَلَّثَةِ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ بِالْمُثَنَّاةِ وَهُوَ خِلَافُ التَّحْقِيقِ لِأَنَّ الثَّمَرَ بِالْمُثَلَّثَةِ حَمْلُ الشَّجَرِ رُطَبًا كَانَ أَوْ بُسْرًا أَوْ غَيْرَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ رُطَبًا جَازَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِتَمْرٍ.

.بيع الْمُحَاقَلَةِ :

(وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (الْمُحَاقَلَةِ وَهِيَ بَيْعُ الْبُرِّ فِي سُنْبُلِهِ بِبُرٍّ مِثْلَ كَيْلِهِ خَرْصًا) لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْهَا أَيْضًا وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ كَمَا لَوْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ.

.بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ:

(وَلَا) يَجُوزُ (الْبَيْعُ بِالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ بِأَنْ يَتَسَاوَمَا سِلْعَةً فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ لَوْ لَمَسَهَا) أَيْ السِّلْعَةَ (الْمُشْتَرِي) وَهَذَا بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ (أَوْ وَضَعَ) الْمُشْتَرِي (عَلَيْهَا حَجَرًا) وَهُوَ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ (أَوْ نَبَذَهَا) أَيْ السِّلْعَةَ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُشْتَرِي (الْبَائِعُ) وَهَذَا الْبَيْعُ بِالنَّابِذَةِ هَذِهِ بُيُوعٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُهِيَ عَنْهَا.
وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ لَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ أَوْ وَضَعَ عَلَيْهَا حَجَرًا عَنْ قَوْلِهِ أَوْ نَبَذَهَا لَكَانَ النَّشْرُ عَلَى تَرْتِيبِ اللَّفِّ لَكِنَّهُ جَعَلَهُ مُشَوَّشًا وَلَا بُدَّ مِنْ نُكْتَةٍ انْتَهَى.
الْمُنَاسَبَةُ بِأَنَّ اللَّمْسَ وَالْوَضْعَ مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي وَالْمُنَابَذَةَ مِنْ قِبَلِ الْبَائِعِ وَلَوْ أَخَّرَهُ لَلَزِمَ الْخَلْطُ وَالتَّفْصِيلُ تَدَبَّرْ.
(وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ (إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَأْخُذَ) الْمُشْتَرِي (أَيَّهمَا شَاءَ) فَيَجُوزُ لِاشْتِرَاطِهِ خِيَارَ التَّعْيِينِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ.
(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرَاعِي) جَمْعُ الْمَرْعَى وَلَوْ أُفْرِدَ كَمَا أَفْرَدَ الْبَعْضُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَالْمُرَادُ بِالْمَرْعَى الْكَلَأُ النَّابِتُ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ أَوْ فِي أَرْضِ الْبَائِعِ بِدُونِ تَسَبُّبٍ مِنْهُ قَيَّدْنَا بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ تَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ بِأَنْ سَقَى الْأَرْضَ أَوْ هَيَّأَهَا لِلْإِنْبَاتِ جَازَ لَهُ بَيْعُ كَلَئِهَا لِأَنَّهُ مَلَكَهُ حَتَّى لَوْ احْتَشَّهُ إنْسَانٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكِهِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِيهِ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» (وَلَا إجَارَتُهَا) أَيْ لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْمَرْعَى الَّتِي هِيَ الْكَلَأُ لِأَنَّ إجَارَتَهَا تَقَعُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ وَلَوْ عُقِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مَمْلُوكٍ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا لَا تَجُوزُ وَهَذَا أَوْلَى وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الْمَرْعَى بِالْكَلَأِ وَجَعَلْنَاهُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ لِأَنَّ بَيْعَ رَقَبَةِ الْأَرْضِ وَإِجَارَتَهَا جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْمَرَاعِي بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَمْعُ الْمَرْعَى بِفَتْحِهَا وَهُوَ الرِّعْيُ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْكَلَأُ رَطْبًا وَيَابِسًا كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ فَمِنْ الظَّنِّ أَنَّهُ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِ تَتَبَّعْ.
(وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (النَّحْلِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ حَيَوَانٌ يَحْدُثُ مِنْهُ الْعَسَلُ (بِلَا كُوَّارَاتٍ) جَمْعُ كُوَّارَةٍ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَعْسَلُ النَّحْلِ إذَا سَوَّى مِنْ طِينٍ أَوْ خَشَبٍ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْهَوَامِّ فَلَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ بَلْ بِمَا يَخْرُجُ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ نَفْسُهُ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَالشَّيْءُ إنَّمَا يَصِيرُ مَالًا لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ حَتَّى لَوْ بَاعَ كُوَّارَةً فِيهَا عَسَلٌ بِمَا فِيهَا مِنْ النَّحْلِ يَجُوزُ تَبَعًا لَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ بَاعَهُ مَعَ الْكُوَّارَةِ صَحَّ تَبَعًا لَهَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْعَسَلِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ الْمَتْنِ جَوَازُ بَيْعِ النَّحْلِ إذَا انْضَمَّ مَعَ الْكُوَّارَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَسَلٌ مَعَ أَنَّ جَوَازَهُ إذَا كَانَ فِيهَا ذَلِكَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ عَلَى مَا فِي التَّبْيِينِ بِمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ تَدَبَّرْ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَيَجُوزُ بَيْعُ نَفْسِهِ بِلَا كُوَّارَةٍ إذَا كَانَ مُحَرَّزًا أَيْ مَجْمُوعًا وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا.
(وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (دُودِ الْقَزِّ وَبَيْضِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ) الْبَيْعُ (فِي الدُّودِ إذَا كَانَ مَعَ الْقَزِّ) يَعْنِي إذَا ظَهَرَ مِنْهُ الْقَزُّ يَجُوزُ الْبَيْعُ تَبَعًا لَهُ (وَفِي الْبَيْضِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلَانِ) فِي قَوْلٍ يَجُوزُ بَيْعُ بَيْضِهِ مُطْلَقًا لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلٍ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فِيهِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَجُوزُ بَيْعُهُمَا) لِكَوْنِهِمَا مُنْتَفَعًا بِهِ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ) لِلْفَتْوَى.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي بَيْعِ النَّحْلِ أَيْضًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا فَلِمَ اخْتَارَ فِي قَوْلِهِ فِي الدُّودِ دُونَ النَّحْلِ بِلَا تَرْجِيحٍ تَدَبَّرْ.
(وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ الْآبِقِ) لِوُرُودِ النَّهْيِ وَلِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ (إلَّا مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ) أَيْ الْآبِقَ (عِنْدَهُ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ بَيْعُ آبِقٍ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ آبِقٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّهُ انْتَفَى الْعَجْزُ لِكَوْنِهِ مَقْبُوضًا وَصُرِّحَ بِفَسَادِ هَذَا الْبَيْعِ فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ بِبُطْلَانِهِ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ الْعَقْدُ وَعَنْ هَذَا قَالَ (فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْفَسْخِ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا) وَهُوَ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيُّ لِكَوْنِهِ وَقَعَ بَاطِلًا (وَقِيلَ يَنْقَلِبُ) صَحِيحًا وَيَتِمُّ الْعَقْدُ الْمَزْبُورُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَسَادِ وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ عَنْ التَّسْلِيمِ كَمَا إذَا أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ هَكَذَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ الْقَوْلَ بِالْفَسَادِ.
(وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (لَبَنِ امْرَأَةٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً (وَلَوْ) لِلْوَصْلِ (بَعْدَ الْحَلْبِ) لِأَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ بِالْبَيْعِ وَأَمَّا بَيْعُ نَفْسِ الْأَمَةِ فَحَلَالٌ لِاخْتِصَاصِهِ لِلْحَيِّ وَلَا حَيَاةَ فِي لَبَنِهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَكُونُ اللَّبَنُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مَشْرُوبًا ظَاهِرًا (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ فِي ابْنِ الْأَمَةِ) اعْتِبَارًا لِبَيْعِهَا.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ لَبَنِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْتَضِي الظَّاهِرَ تَأَمَّلْ.
وَفِي التَّسْهِيلِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي حَالِ الْأَمَةِ لَوْ شَرَاهَا بِأَنَّهَا حُبْلَى صَحَّ عِنْدَ الْبَعْضِ لَا عِنْدَ الْبَعْضِ وَصَحَّ بِأَنَّ الْمَبِيعَةَ حَلُوبٌ.
(وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (شَعْرِ الْخِنْزِيرِ) لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَيَبْطُلُ لِنَجَاسَتِهِ (وَلَكِنْ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ) أَيْ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ (لِلْخَرْزِ) وَنَحْوِهِ (ضَرُورَةً) الْخَرْزُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا زَايٌ مُعْجَمَةٌ مَصْدَرُ خَرَزَ الْخُفَّ وَغَيْرَهُ فَيَسْتَعْمِلُهُ الْخَفَّافُ فِي زَمَانِهِمْ وَكَذَا تَسْتَعْمِلُهُ النِّسْوَانُ لِتَسْوِيَةِ الْكَتَّانِ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَعَلَى هَذَا قِيلَ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا بِالْبَيْعِ جَازَ بَيْعُهُ لَكِنَّ الثَّمَنَ لَا يَطِيبُ لِلْبَائِعِ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ مَنْتُوفًا فَالْمَقْطُوعُ يَكُونُ طَاهِرًا (وَيُفْسِدُ) شَعْرُ الْخِنْزِيرِ (الْمَاءَ الْقَلِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ (لَا) يُفْسِدُهُ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ بِدَلِيلِ طَهَارَتِهِ وَلَأَبَى يُوسُفَ أَنَّ الْإِطْلَاقَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَحَالَةُ الْوُقُوعِ تُغَايِرُهَا.
(وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ) لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ غَيْرُ مُبْتَذَلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ مُهَانًا مُبْتَذَلًا وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَة» الْحَدِيثَ وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ الْوَبَرِ فَيَزِيدُ فِي قُرُونِ النِّسَاءِ وَذَوَائِبِهِنَّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ حَلَقَ رَأْسَهُ قَسَمَ شَعْرَهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَكَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِهِ» وَلَوْ لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَمَا فَعَلَ لَكِنَّ فِيهِ مَا فِيهِ.
تَتَبَّعْ.
(لَا) يَجُوزُ (بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهَا وَلَيْسَتْ بِمَالٍ لِنَجَاسَتِهَا فَيَبْطُلُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالدُّهْنِ الْمُتَنَجِّسِ فَإِنَّهَا عَارِضَةٌ (وَيَجُوزُ) بَيْعُهَا (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الدِّبَاغِ (وَيُنْتَفَعُ بِهِ) أَيْ بِالْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ الدَّالِّ عَلَيْهِ الْجُلُودُ فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ مُؤَنَّثًا وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِكَوْنِهِ طَاهِرًا بَعْدَهُ (وَيُبَاعُ عَظْمُهَا) أَيْ الْمَيْتَةِ (وَيُنْتَفَعُ بِهِ) أَيْ بِعَظْمِهَا.
(وَكَذَا عَصَبُهَا وَقَرْنُهَا وَصُوفُهَا وَشَعْرُهَا وَوَبَرُهَا) لِطَهَارَةِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ إذْ لَا حَيَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحِلَّ الْمَوْتُ بِهَا الْقَرْنُ مِنْ الْوَبَرِ وَلَوْ قُدِّمَ عَلَى الصُّوفِ لَكَانَ أَقْرَبَ وَكَذَا لَوْ قُدِّمَ الشَّعْرُ عَلَى الصُّوفِ لَكَانَ أَنْسَبَ.
(وَكَذَا) يُبَاعُ (عَظْمُ الْفِيلِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّ الْفِيلَ عِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ حَتَّى يُبَاعَ عَظْمُهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ الْعَظْمِ وَأَشْبَاهِهِ دُسُومَةٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ فَهُوَ نَجِسٌ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ نَجَّسَ الْعَيْنَ عِنْدَهُ كَالْخِنْزِيرِ حُرْمَةً وَصُورَةً وَالْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا.
(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ عُلُوٍّ سَقَطَ) أَيْ يَبْطُلُ بَيْعُ مَوْضِعِ الْعُلُوِّ بَعْدَ سُقُوطِهِ سَوَاءٌ سَقَطَ بَيْتُ السُّفْلِ أَوْ لَا إذْ بَعْدَ انْهِدَامِهِ لَا يَبْقَى لَهُ حَقُّ التَّعَلِّي وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ فَالْبَيْعُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَيَكُونُ لَغْوًا بِخِلَافِ الشُّرْبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَمُفْرَدًا فِي رِوَايَةٍ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِبَعْدِ سُقُوطِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَهُ يَجُوزُ نَظَرًا إلَى الْبِنَاءِ الْقَائِمِ فِيهِ وَإِنْ سَقَطَ الْعُلُوُّ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ.
(وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (الْمَسِيلِ وَلَا هِبَتُهُ) لِأَنَّ رَقَبَةَ الْمَسِيلِ مَجْهُولٌ لِأَنَّ مِقْدَارَ مَا يَشْغَلُهُ الْمَاءُ مِنْ الْأَرْضِ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَاءِ وَكَثْرَتِهِ حَتَّى لَوْ بَيَّنَ حُدُودَهُ وَمَوْضِعَهُ جَازَ وَإِنْ أُرِيدَ بِالْمَسِيلِ التَّسْيِيلَ فَإِنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ كَانَ حَقَّ التَّعَلِّي وَقَدْ مَرَّ بُطْلَانُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ كَانَ مَجْهُولًا بِجَهَالَةِ مَحَلِّهِ (وَصَحَّا) أَيْ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ (فِي الطَّرِيقِ) لِأَنَّ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ مَعْلُومٌ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَمُقَدَّرٌ بِعَرْضِ بَابِ الدَّارِ فَيَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ فَفِي بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ رِوَايَتَانِ وَجْهُ الْبُطْلَانِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَوَجْهُ الصِّحَّةِ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ حَقٌّ مَعْلُومٌ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنٍ بَاقٍ وَصَحَّ بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَوَحْدَهُ فِي رِوَايَةٍ.
(وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ شَخْصٍ عَلَى أَنَّهُ أَمَةٌ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ) وَكَذَا عَكْسُهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ جَوَازُهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ اخْتِلَافٌ بِالْوَصْفِ لِأَنَّهُمَا وَصْفَانِ فِي الْحَيَوَانِ وَاخْتِلَافُ الْوَصْفِ يُوجِبُ الْخِيَارَ إلَّا الْفَسَادَ كَمَا فِي الْبَهَائِمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لِتَفَاحُشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ خَارِجَ الدَّارِ وَمِنْ الْأَمَةِ الِاسْتِخْدَامُ دَاخِلَ الدَّارِ كَالِاسْتِفْرَاشِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَغَيْرِهِمَا فَبِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ صَارَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.
(وَلَوْ بَاعَ كَبْشًا فَإِذَا هُوَ نَعْجَةٌ صَحَّ وَيُخَيَّرُ) وَجْهُ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَا تَفَاوُتَ فِي الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ اللَّحْمُ وَالْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَالْأُنْثَى وَالذَّكَرُ يَصْلُحَانِ لِذَلِكَ فَكَانَ جِنْسًا وَاحِدًا فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ اعْلَمْ أَنَّ فِي مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ فِي الْمُسَمَّى إذَا اخْتَلَفَ الْمُسَمَّى وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ الْإِشَارَةِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لِتَعْرِيفِ الذَّاتِ وَالتَّسْمِيَةَ لِإِعْلَامِ الْمَاهِيَّةِ وَهُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الذَّاتِ فَكَانَ أَبْلَغَ فِي التَّعْرِيفِ وَيَحْتَاجُ فِي مَقَامِ التَّعْرِيفِ إلَى مَا هُوَ أَبْلَغُ فِيهِ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ فِي مُتَّحِدِي الْجِنْسِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ذَاتًا وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَجْعَلَ الْإِشَارَةَ لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّسْمِيَةَ لِلتَّرْغِيبِ فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ بِخِلَافِ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِيهِ مِثْلُ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ فَيُعْتَبَرُ الْأَعْرَفُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا كَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَلَا) يَجُوزُ (شِرَاءُ مَا بَاعَ) الْبَائِعُ أَوْ وَكِيلُهُ مِنْ سِلْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ) مِنْ الثَّمَنِ (قَبْلَ نَقْدِ) كُلِّ (الثَّمَنِ) الْأَوَّلِ أَوْ بَعْضِهِ وَإِنْ بَقِيَ مِنْ ثَمَنِهِ دِرْهَمٌ كَمَا فِي السِّرَاجِ صُورَتُهَا بَاعَ جَارِيَةً مَثَلًا بِأَلْفٍ حَالَّةً أَوْ نَسِيئَةً فَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِالْأَقَلِّ فَالْبَيْعُ الثَّانِي فَاسِدٌ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ قَدْ تَمَّ بِالْقَبْضِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَيِّ قَدْرٍ كَانَ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِبَعْضٍ أَوْ بِأَقَلَّ بَعْدَ النَّقْدِ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا جَوَازَهُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ وَقَدْ بَاعَتْ بِسِتِّمِائَةٍ بَعْدَمَا اشْتَرَتْ بِثَمَانِمِائَةٍ: بِئْسَ مَا شَرَيْت وَاشْتَرَيْت أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ حَجَّهُ وَجِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ لَمْ يَتُبْ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْهُ فِي ضَمَانِهِ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بَقِيَ لَهُ فَضْلٌ بِلَا عِوَضٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِعَرَضٍ لِأَنَّ الْفَضْلَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ وَإِنَّمَا تَرَكَ فَاعِلَ الشِّرَاءِ لِيَشْمَلَ شِرَاءَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلْبَائِعِ كَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَمُكَاتَبِهِ فَهُوَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْبَائِعِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا فِي غَيْرِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ بَاعَهُ وَكَالَةً عَنْ غَيْرِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ هُوَ الْبَائِعُ وَمَحَلُّ كَلَامِهِ شِرَاءُ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ وَخَرَجَ شِرَاءُ وَارِثِ الْبَائِعِ وَوَكِيلِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَأَمَّا شِرَاءُ الْبَائِعِ مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْ مُشْتَرِيه أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُوصِي فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا وَقُيِّدَ بِمَا بَاعَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا انْتَقَضَ وَتَغَيَّرَ بِعَيْبٍ جَازَ وَلَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ اتِّحَادِ جِنْسِ الثَّمَنِ فَإِنْ اخْتَلَفَ جَازَ مُطْلَقًا وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ هُنَا.
(وَكَذَا شِرَاؤُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ مَا بَاعَ الْبَائِعُ أَوْ وَكِيلُهُ حَالَ كَوْنِ مَا بَاعَ (مَعَ غَيْرِهِ بِثَمَنِهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ نَقْدِهِ وَيَصِحُّ فِي الْغَيْرِ بِحِصَّتِهِ) صُورَتُهَا بَاعَ جَارِيَةً بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَجَارِيَةً أُخْرَى مَعَهَا قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الشِّرَاءَ فِي الَّتِي لَمْ يَبِعْهَا مِنْهُ صَحِيحٌ وَفِي الْأُخْرَى وَهِيَ الَّتِي بَاعَهَا مِنْهُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَبِعْهَا مِنْهُ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْأُخْرَى بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ ضَرُورَةً وَلَا يَسْرِي الْفَسَادُ لِضَعْفِهِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ وَيُقْصَرُ عَلَى مَحَلِّهِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ كَمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ.
(وَلَا) يَجُوزُ (شِرَاءُ زَيْتِ) أَيْ دُهْنِ الزَّيْتُونِ (عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظَرْفِهِ) أَيْ بِشَرْطِ وَزْنِهِ مَعَهُ (، وَ) أَنْ (يَطْرَحَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الزَّيْتِ (لِكُلِّ ظَرْفٍ مِقْدَارٌ مُعَيَّنٌ) كَخَمْسِينَ رِطْلًا لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُ وَزْنَ الظَّرْفِ فَإِذَا طَرَحَ مِقْدَارَ خَمْسِينَ رِطْلًا مَثَلًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ الظَّرْفِ أَوْ أَقَلَّ إلَّا إذَا عُرِفَ وَزْنُهُ خَمْسُونَ رِطْلًا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ (وَإِنْ شَرَطَ طَرْحَ مِثْلِ وَزْنِ الظَّرْفِ يَصِحُّ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيه الْعَقْدُ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي (فِي الظَّرْفِ وَقَدْرِهِ) فَقَالَ الْمُشْتَرِي الظَّرْفُ هَذَا وَهُوَ عَشْرَةُ أَرْطَالٍ وَقَالَ الْبَائِعُ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ (فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي تَعْيِينِ الظَّرْفِ الْمَقْبُوضِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْرِ الزَّيْتِ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ قَابِضٌ وَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا وَإِنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَكَذَا لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ وَلَا يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي الثَّمَنِ ثَبَتَ تَبَعًا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الزِّقِّ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ بِهِ وَلَا مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا ثَبَتَ تَبَعًا لِأَنَّ حُكْمَ التَّبَعِ لَا يُخَالِفُ حُكْمَ الْأَصْلِ.
(وَلَوْ أَمَرَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ شِرَائِهَا صَحَّ) أَيْ يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَبِشِرَائِهِمَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْأَصْلِ لِأَهْلِيَّتِهِ لَا لِنِيَابَتِهِ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْآمِرِ حُكْمِيٌّ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ كَمَا إذَا وَرِثَهُمَا (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إذْ الْوَكِيلُ نَائِبٌ عَنْ مُوَكِّلِهِ فِيمَا تَصَرَّفَ فِيهِ عَائِدٌ إلَيْهِ فَمُبَاشَرَتُهُ كَمُبَاشَرَتِهِ وَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْمُسْلِمِ فِي بَيْعِهَا وَلَا شِرَائِهَا وَالتَّوْكِيلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوِلَايَةِ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ غَيْرَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخِنْزِيرُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْأُمِّ يُكْرَهُ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ إنْ كَانَ خَمْرًا يُخَلِّلُهَا وَإِنْ خِنْزِيرًا يُسَيِّبُهُ.
(وَكَذَا) أَيْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (لَوْ أَمَرَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ بِبَيْعِ صَيْدِهِ) الَّذِي اصْطَادَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا.
(وَلَوْ شَرَى كَافِرٌ عَبْدًا مُسْلِمًا وَمُصْحَفًا صَحَّ وَيُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهِمَا مِنْ مِلْكِهِ) أَيْ مِنْ مِلْكِ الْكَافِرِ دَفْعًا لِلذُّلِّ مِنْ جِهَةٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إذْلَالًا مِنْ جِهَةِ مَمْلُوكِيَّتِهَا لِلْكَافِرِ قُيِّدَ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَوْ اسْتَأْجَرَ مُسْلِمًا لِلْخِدْمَةِ جَازَ اتِّفَاقًا وَلَكِنْ يُكْرَهُ.
(وَالْبَيْعُ بِشَرْطٍ يَقْتَضِيه الْعَقْدُ صَحِيحٌ كَشَرْطِ) كَوْنِ (الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي) وَشَرْطِ تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَشَرْطِ تَسْلِيمِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الشَّرْطِ لَا يَزِيدُ شَيْئًا بَلْ يُؤَكِّدُ مُوجَبَ الْعَقْدِ.
(وَكَذَا) يَصِحُّ (بِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ وَلَا نَفْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ) مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْمَبِيعُ الْمُسْتَحَقُّ لِلنَّفْعِ بِأَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا (كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ الدَّابَّةَ الْمَبِيعَةَ) بِأَنْ قَالَ بِعْتُ هَذِهِ الدَّابَّةَ مِنْك عَلَى أَنْ لَا تَبِيعَهَا أَوْ تُسَيِّبَهَا فِي الْمَرْعَى لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَلَا يَحْتَمِلُ الرِّبَا لِعَدَمِ النَّفْعِ الزَّائِدِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ قِيلَ: هَذَا مِثَالٌ لِعَدَمِ النَّفْعِ لِلْعَاقِدَيْنِ مَعَ مَنْفَعَتِهِ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لَكِنْ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَكَذَا يَصِحُّ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ لِلْعَقْدِ كَشَرْطِ أَنْ يَرْهَنَهُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مُعَيَّنًا أَوْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا مُعَيَّنًا لِأَنَّ هَذَا لَا يُفْسِدُ بَلْ يُؤَكِّدُ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ يَفْسُدَانِ لِلْمُنَازَعَةِ وَكَذَا يَصِحُّ بِشَرْطٍ يُلَائِمُ الْعَقْدَ لِوُرُودِ النَّصِّ عَلَى جَوَازِهِ كَالْخِيَارِ وَالْأَجَلِ رُخْصَةً وَتَيْسِيرًا.
(وَلَوْ) كَانَ الْبَيْعُ (بِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ وَفِي نَفْعٍ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) أَيْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (أَوْ لِمَبِيعٍ يَسْتَحِقُّ) النَّفْعَ بِأَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا (فَهُوَ) أَيْ هَذَا الْبَيْعُ (فَاسِدٌ) لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةٍ عَرِيَّةٍ عَنْ الْعِوَضِ فَيَكُونُ رِبًا وَكُلُّ عَقْدٍ شُرِطَ فِيهِ الرِّبَا يَكُونُ فَاسِدًا.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إنَّمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِشَرْطٍ؛ إذَا ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ عَلَى، وَأَمَّا إذَا ذَكَرَهُ بِحَرْفِ الشَّرْطِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْت إنْ كُنْت تُعْطِينِي كَذَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ (كَبَيْعِ عَبْدٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ) كَبَيْعِ (أَمَةٍ عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا) الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَفْسُدُ بِهِ (فَلَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (الْمُشْتَرِي) بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ (عَادَ الْبَيْعُ صَحِيحًا) اسْتِحْسَانًا (فَتَلْزَمُ) عَلَى الْمُشْتَرِي (الثَّمَنُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَعُودُ) صَحِيحًا (فَتَلْزَمُ) عَلَى الْمُشْتَرِي (الْقِيمَةُ) وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَسَدَ بِالشَّرْطِ أَعَتَقَ أَوْ لَمْ يُعْتِقْ فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا كَمَا إذَا تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الشَّرْطَ وَإِنْ لَمْ يُلَائِمْ الْعَقْدَ لِذَاتِهِ لَكِنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ يُلَائِمُهُ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِلْمِلْكِ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ الْعِتْقُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فَإِذَا تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُلَاءَمَةُ فَيَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ تَحَقَّقَتْ الْمُلَاءَمَةُ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْجَوَازِ فَيَعُودُ صَحِيحًا.
وَفِي الْحَقَائِقِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَصِحُّ الْإِعْتَاقُ (وَكَشَرْطِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (الْبَائِعُ شَهْرًا أَوْ يَسْكُنَهَا) أَيْ الدَّارَ الْمَبِيعَةَ (أَوْ لَا يُسَلِّمَهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَسْكُنُهَا وَلَا يُسَلِّمُهُ عَلَى طَرِيقِ التَّنَازُعِ (أَوْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا أَوْ يُهْدِيَ لَهُ) الْمُشْتَرِي (هَدِيَّةً) هَذِهِ أَمْثِلَةُ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعُ الْبَائِعِ (أَوْ) كَشَرْطِ أَنْ (يَقْطَعَ الْبَائِعُ الثَّوْبَ وَيَخِيطَهُ قَبَاءً أَوْ قَمِيصًا أَوْ يَحْذُوَ النَّعْلَ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى جِلْدًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهُ الْبَائِعُ نَعْلًا لِلْمُشْتَرِي يُقَالُ حَذَا لِي نَعْلًا أَيْ عَمِلَهَا (أَوْ يُشْرِكَهُ) أَيْ النَّعْلَ مِنْ التَّشْرِيكِ وَهُوَ وَضْعُ الشِّرَاكِ عَلَى النَّعْلِ وَهُوَ السَّيْرُ الَّذِي عَنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ هَذِهِ أَمْثِلَةُ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمُشْتَرِي فَيَفْسُدُ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْضُ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ فَهُوَ إجَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي بَيْعٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ فَهُوَ إعَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِيهِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ (وَيَصِحُّ فِي النَّعْلِ اسْتِحْسَانًا) لِلتَّعَامُلِ لِأَنَّ التَّعَامُلَ يُرَجَّحُ عَلَى الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ إجْمَاعًا عَمَلِيًّا وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْجَوَازِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.
(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ أَمَةٍ إلَّا حَمْلَهَا) لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ وَالْحَمْلُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ.
(وَلَا) يَجُوزُ (الْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ) وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ نُزُولِ الشَّمْسِ فِي بُرْجِ الْحَمَلِ وَابْتِدَاءُ رَبِيعٍ (وَالْمِهْرَجَانِ) وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ نُزُولِ الشَّمْسِ فِي الْمِيزَانِ وَابْتِدَاءُ خَرِيفٍ (وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْعَاقِدَانِ) مِقْدَارَ (ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ لِأَنَّ النَّيْرُوزَ وَالْمِهْرَجَانَ لَا يَتَعَيَّنَانِ إلَّا بِظَنٍّ وَمُمَارَسَةٍ بِعِلْمِ النُّجُومِ فَرُبَّمَا يَقَعُ الْخَطَأُ فَيَكُونُ مَجْهُولًا فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَكَذَا صَوْمُ النَّصَارَى وَفِطْرُ الْيَهُودِ يَكُونَانِ مَجْهُولَيْنِ لِأَنَّ النَّصَارَى يَبْتَدِئُونَ وَيَصُومُونَ خَمْسِينَ يَوْمًا فَيُفْطِرُونَ فَيَوْمُ صَوْمِهِمْ مَجْهُولٌ وَأَمَّا فِطْرُهُمْ بَعْدَ مَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ فَمَعْلُومٌ فَلَا جَهَالَةَ فِيهِ وَلَا فَسَادَ وَالْيَهُودُ يَصُومُونَ مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ إلَى تَمَامِ عِشْرِينَ مِنْ شَهْرٍ آخَرَ ثُمَّ يُفْطِرُونَ فَيَوْمُ صَوْمِهِمْ وَفِطْرِهِمْ مَجْهُولٌ لِاخْتِلَافِهِمَا بِاخْتِلَافِ عِدَّةِ شَهْرِ هَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْعَاقِدَانِ هَذِهِ الْآجَالَ وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَحَدُهُمَا أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ النِّزَاعِ.
(وَلَا) يَجُوزُ (الْبَيْعُ إلَى الْحَصَادِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا وَقْتَ قَطْعِ الزَّرْعِ (وَالدِّيَاسِ) بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَقْتَ وَطْءِ الدَّوَابِّ الْحِنْطَةَ وَغَيْرَهَا (وَالْقِطَافِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَالْفَتْحُ لُغَةٌ فِيهِ وَقْتَ قَطْعِ الْعِنَبِ مِنْ الْكَرْمِ (وَالْجِزَازِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَقْتَ جَزِّ الصُّوفِ مِنْ ظَهْرِ الْغَنَمِ وَقِيلَ جِزَازُ النَّخْلِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ بِالزَّايِ وَذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ عَامٌّ فِي قَطْعِ الثِّمَارِ وَبِالْمُهْمَلَةِ خَاصٌّ فِي النَّخْلِ (وَقُدُومِ الْحَاجِّ) أَيْ وَقْتَ مَجِيءِ الْحَاجِّ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ إلَى هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ أَوْقَاتِهَا لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ (وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ) لِكَوْنِ الْجَهَالَةِ يَسِيرَةً لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَتَحَمَّلُ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ إذْ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِمَالٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَفِي الْوَصْفِ أَوْلَى.
وَفِي التَّسْهِيلِ وَفِي النَّذْرِ تُتَحَمَّلُ الْجَهَالَةُ وَلَوْ فَاحِشَةً بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُهَا فِي أَصْلِ الثَّمَنِ فَكَذَا فِي وَصْفِهِ، قُيِّدَ بِهَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَلَ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا مُتَفَاحِشَةٌ (فَإِنْ أَسْقَطَ) مِمَّنْ لَهُ الْأَجَلُ (الْأَجَلَ) الْمُفْسِدَ لِلْبَيْعِ (قَبْلَ حُلُولِهِ) أَيْ قَبْلَ مَجِيءِ الْأَجَلِ الْمُفْسِدِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ (صَحَّ) الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ وَهُوَ النِّزَاعُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ مَعَ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَيْسَتْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بَلْ فِي شَرْطٍ زَائِدٍ فَيُمْكِنُ إسْقَاطُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ إذْ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا بَعْدَ فَسَادِهِ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا أَصْلًا وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ لَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْإِبْطَالِ تَأَكَّدَ الْفَسَادُ وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.
(وَكَذَا لَوْ بَاعَ مُطْلَقًا) عَنْ هَذِهِ الْآجَالِ (ثُمَّ أَجَّلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا تَأْجِيلُ الدَّيْنِ لَا الثَّمَنِ، فَالدَّيْنُ هُنَا فِي التَّحَمُّلِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ بَاعَ بِأَلْفٍ نِصْفَهُ نَقْدًا وَنِصْفَهُ إلَى رُجُوعِهِ مِنْ زَمَسْتَانَ وَهُوَ فَاسِدٌ وَالْفَتْوَى عَلَى انْصِرَافِهِ إلَى شَهْرٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَمَنْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ يَجُوزُ) الْبَيْعُ (إنْ عَلِمَهُ) أَيْ النَّصِيبَ مِنْهَا (الْمُتَعَاقِدَانِ) عِلْمُ مِقْدَارِ نَصِيبِهِ شَرْطٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَجُوزُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَلِمَا أَوْ لَا لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِالْجَهَالَةِ فَلَا تُفْضِي الْمُنَازَعَةَ (وَيَكْفِي عِلْمُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَبِيعِ تَضُرُّهُ لَا الْبَائِعَ فَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ وَكَذَا شِرَاءُ الدَّارِ بِفِنَائِهَا فَاسِدٌ عِنْدَ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِجَهَالَةِ الْمِقْدَارِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.